أمريكا- المال يصنع الرؤساء.. والأسماء المُكررة تُهيمن

المؤلف: محمود سلطان10.05.2025
أمريكا- المال يصنع الرؤساء.. والأسماء المُكررة تُهيمن

في مشهد سياسي يزداد تعقيدًا وتشابكًا، يواجه كل من الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب تحديات جمة وشكوكًا متزايدة حيال أهليتهم لتولي زمام الأمور في البيت الأبيض. يعتبر كلا الرجلين شخصيتين مثيرتين للجدل على نطاق واسع، حيث تُظهر استطلاعات الرأي باستمرار تراجعًا في شعبيتهما وقبولاً محدودًا من قبل الجمهور الأمريكي. حتى قبل الحديث عن إمكانية استبدال بايدن بنائبته كامالا هاريس، كانت المخاوف بشأن قدرته على الاستمرار في منصبه تتزايد بشكل ملحوظ.

أظهر استطلاع حديث أجرته شبكة PBS News أن نسبة كبيرة من الأمريكيين، حوالي الثلثين، تشكك في اللياقة العقلية للرئيس بايدن، معتبرين أنه غير قادر على تلبية متطلبات المنصب. وفي الوقت نفسه، أعرب ما يقرب من نصف المستطلعين عن قلقهم بشأن قدرات ترامب، بينما ارتأت الأغلبية أن شخصيته لا تتناسب مع مسؤوليات الرئاسة.

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2

ترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإلغاء وزارة التعليم

list 2 of 2

"مبعوث يسوع".. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟

end of list

وفي استطلاع آخر أجرته مجلة "إيكونوميست" في أواخر يونيو الماضي، تبين أن ترامب لا يحظى بشعبية كبيرة بين الأمريكيين، حيث بلغت نسبة عدم التأييد له 57% مقابل 39% من التأييد. وجاءت نتائج بايدن مماثلة، حيث بلغت نسبة عدم التأييد له 58% مقابل 39% من التأييد.

أما بالنسبة لنائبة الرئيس كامالا هاريس، فلم تكن أرقام التأييد والقبول العام مرتفعة بشكل ملحوظ. فوفقًا لموقع FiveThirtyEight لتحليل استطلاعات الرأي، حصلت هاريس على موافقة بنسبة 38% من الناخبين الأمريكيين، وهي نسبة قريبة من تلك التي حصل عليها بايدن (37%). ويرى البعض أن هاريس قد تُعتبر مجرد امتداد لإدارة بايدن، مما يعني أنها قد لا تلقى استحسان الناخبين الذين يشعرون بالاستياء من السياسات والمواقف الحالية.

وتشير استطلاعات الرأي التي أُجريت العام الماضي إلى أن الناخبين يتوقون إلى التغيير ويعربون عن استيائهم من الوضع الراهن. بالإضافة إلى ذلك، يثير التمييز الجنسي والعنصرية الكامنة في المجتمع قلقًا بالغًا، وهو ما أشار إليه بعض الديمقراطيين. وفي هذا السياق، يعتقد البعض أن هناك ترددًا لدى الكثيرين في تقبل فكرة تولي امرأة سوداء منصب الرئاسة.

وتؤكد استطلاعات الرأي الأخرى نتائج مماثلة، حيث حصلت هاريس على تقييمات مماثلة لبايدن، وفقًا لمتوسط Real Clear Politics، وهو موقع إخباري سياسي أمريكي متخصص في جمع وتحليل بيانات الاقتراع.

ويرى سون تشنغهاو، الباحث ورئيس مركز الأبحاث الأمريكي، أن هاريس تفتقر إلى القدرة القيادية التي يتمتع بها بايدن في توحيد صفوف الحزب الديمقراطي. كما أشار إلى أن سجلها كنائبة للرئيس لم يكن مثيرًا للإعجاب بشكل خاص، ولم تحقق إنجازات ملموسة. واستدل على ذلك بأدائها المتواضع في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي عام 2020، حيث اضطرت إلى الانسحاب مبكرًا، مما يعكس محدودية نفوذها داخل الحزب.

السياسة الأميركية وحلم التجديد

إن هذه المعطيات المثيرة للقلق تدفع إلى التساؤل عما إذا كان بايدن وهاريس وترامب هم الخيارات الأمثل لقيادة البلاد، بل إن البعض يذهب إلى حد الادعاء بأنه لا يوجد من بينهم من يستحق أن يكون سيد البيت الأبيض. فلماذا لا تظهر بدائل جديدة وشابة وغير مستهلكة في المشهد السياسي؟

هل فقدت أمريكا قدرتها على إنتاج نخب سياسية جديدة مؤهلة للحكم والرئاسة؟ ولماذا يقتصر التناوب على العرش البيضاوي على الحزبين الديمقراطي والجمهوري فقط، اللذين يحتكران السلطة منذ منتصف القرن التاسع عشر؟

بالتأكيد، توجد العديد من الأحزاب الصغيرة الأخرى، مثل الإصلاح والليبرتارية والاشتراكية والقانون الطبيعي والدستور والخضر، ولكنها أحزاب مهمشة لا تلعب دورًا فاعلاً سوى في تشتيت الأصوات والتأثير على نتائج الانتخابات لصالح أحد الحزبين الرئيسيين. وقد تجلى ذلك في انتخابات عام 2016، عندما أثرت أصوات حزب الليبرتاريين وحزب الخضر بقيادة غاري جونسون وجيل ستاين على التوالي، على حظوظ هيلاري كلينتون وساهمت في فوز ترامب.

وبالإضافة إلى هذه الأحزاب الصغيرة، يوجد المستقلون، الذين غالبًا ما يُنظر إليهم على أنهم معتدلون أو وسطيون، إلا أن معظمهم يميلون إلى دعم أحد الحزبين الرئيسيين عند التصويت. فعلى سبيل المثال، لا يملك المرشح المستقل روبرت كينيدي جونيور فرصة كبيرة للفوز بالرئاسة، ولكنه قد يسحب الدعم من كل من هاريس وترامب، وفقًا لاستطلاعات الرأي. وقد صرح كينيدي في تجمع حاشد بأن الديمقراطيين يخشون من أن يفسد الانتخابات لصالح بايدن، بينما يخشى الجمهوريون من أن يفسدها لصالح ترامب.

وهذا هو الدور الذي قد تلعبه جيل ستاين من حزب الخضر، وكورنيل ويست كمستقل، وتشيس أوليفر من الحزب الليبرالي، في الانتخابات القادمة في نوفمبر.

وفي هذا السياق، أظهر استطلاع أجرته جامعة ماركيت في فبراير الماضي أنه في المنافسة المباشرة، حصل ترامب على 51% مقابل 49% لبايدن. ولكن عندما أُضيف كينيدي وويست وستاين إلى المعادلة، تغيرت الأمور، حيث حصل ترامب على 42%، وبايدن على 39%، وكينيدي على 15%، وويست على 3%، وستاين على 2%.

وكشف الاستطلاع أن كينيدي سحب المزيد من الدعم من الجمهوريين، بينما سحب ويست وستاين المزيد من الدعم من الديمقراطيين، وحافظ ترامب على نسبة أعلى من المستقلين مقارنة ببايدن عندما تم تضمين المرشحين المستقلين.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار وجود بدائل ديمقراطية واعدة، معظمها من الشباب، أمثال الحكام جافين نيوسوم من كاليفورنيا، وجي بي بريتزكر من إلينوي، وآندي بشير من كنتاكي، وويس مور من ميريلاند، ووزير النقل بيت بوتيجيج، وجوش شابيرو من بنسلفانيا، والسيناتور رافائيل وارنوك من جورجيا، وجاريد بوليس من كولورادو.

وفي الجانب الجمهوري، هناك بدائل لترامب، مثل السيناتور تيم سكوت، وسفيرة الأمم المتحدة السابقة نيكي هيلي، ورجل الأعمال فيفيك راماسوامي، وحاكم ولاية نيو جيرسي السابق كريس كريستي.

ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحًا: لماذا نراوح عند نقطة إعادة تدوير الأسماء المستهلكة، بايدن وهاريس من جهة، وترامب من جهة أخرى؟ لماذا لا تتاح الفرصة لمرشحين جدد ليبرزوا بجانب هذه الأسماء؟

وهذا يثير تساؤلًا آخر: من الذي يملك سلطة صناعة النجوم السياسيين؟ هل هو الناخب أم قوى أخرى لها نفوذ وسيطرة تتجاوز العملية السياسية العادلة؟

المال والانتخابات

منذ أكثر من قرن، صرح السيناتور الجمهوري مارك هانا عن السياسة الأمريكية قائلاً: "هناك شيئان مهمان في السياسة، الأول هو المال، ولا أستطيع تذكر الثاني". وبعد مرور أكثر من مائة عام، لا يزال المال هو "العملة الأقوى" في توجيه السياسات الأمريكية، بل أصبح عنصرًا لا غنى عنه.

فعلى سبيل المثال، في عام 2020، أُنفق ما يقرب من 14 مليار دولار على الحملات الانتخابية الفيدرالية، مما يجعلها الحملة الأكثر تكلفة في التاريخ. وقد تضاعف هذا المبلغ مقارنة بما أُنفق في انتخابات عام 2016. ويبدو أن الرئيس المنتخب أصبح "في جيب الأثرياء" بعد سلسلة من قرارات المحكمة العليا التي تسمح للأثرياء بإنفاق مبالغ غير محدودة على الحملات السياسية من خلال لجان العمل السياسي، وتمنع الناخبين من معرفة من يحاول التأثير عليهم، وهو ما يُعرف بـ "المال المظلم". وقد دفع ذلك مركز برينان للعدالة إلى القول بأن "الأموال الكبيرة تهيمن على الحملات السياسية الأمريكية إلى درجة لم نشهدها منذ عقود" وأنها "تطغى على أصوات الأمريكيين العاديين".

وفي مارس 2020، نشر روبرت رايش، أستاذ السياسة العامة بجامعة كاليفورنيا في بيركلي ووزير العمل السابق، كتابًا بعنوان "النظام: من تلاعب به، كيف نصلحه". ووفقًا له، تم اختطاف النظام السياسي الأمريكي من قبل أقلية صغيرة على مدى العقود الأربعة الماضية، وأصبحت التبرعات السياسية بمثابة "رشوة مشروعة" تمكن الأغنياء من الحصول على المزيد من النفوذ السياسي.

ويرى الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، ماثيو ستيفنسون، أن الولايات المتحدة ليست رائدة عالميًا في مجال الحكومة النظيفة، وأن بعض الممارسات المتعلقة بالضغط وتمويل الحملات التي قد تعتبرها الدول الأخرى فاسدة، ليست مسموحًا بها فحسب، بل محمية دستوريًا في الولايات المتحدة.

وقد خلصت دراسة حديثة أعدها البروفيسور مارتن غيلينز من جامعة برينستون والبروفيسور بنيامين آي بيغ من جامعة نورث وسترن، إلى أن الأثرياء القلائل هم من يحركون السياسة، في حين أن المواطن الأمريكي العادي لا يملك سوى القليل من السلطة.

وأكدت الدراسة أن الأمريكيين يتمتعون بالعديد من السمات الأساسية للحكم الديمقراطي، مثل الانتخابات المنتظمة وحرية التعبير وتكوين الجمعيات والاقتراع واسع النطاق، غير أن عملية صنع القرار السياسي تخضع لهيمنة منظمات الأعمال القوية وعدد صغير من الأمريكيين الأثرياء.

ولم يعد خافيًا على المراقبين دور المال السياسي في توجيه السياسة وتحديد هوية الرئيس القادم، وأن المرشحين الأوفر حظًا بدخول البيت الأبيض هم في الواقع الأبناء الشرعيون لهذا المال، بما فيه "المال المظلم" الذي يحرك مسرح العرائس الأمريكي ويحول الرئيس المنتخب إلى "مندوب علاقات عامة" لكبار الممولين لحملته.

فهل تتطلب مصالح القوى المالية وجود رئيس مسن؟ فإذا كان بايدن وترامب في العقد الثامن من العمر، فإن هاريس، التي يُنظر إليها على أنها الأكثر شبابًا منهما، تقترب من العقد السابع هي الأخرى. أم أن الدولة "السوبر" في هذا العالم تخضع لسنة الحياة، وأن "المكياج الديمقراطي" لم يعد قادرًا على إخفاء تجاعيد الشيخوخة التي اتسعت لتشمل ولاياتها الخمسين بلا استثناء؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة